يؤكد الباحث مرزوق أولاد عبد الله مرة أخرى للعالم و لبعض التيارات الإسلامية الدعوية التي تفهم الاسلام فهما تعبديا* و كلاميا و فلسفيا و صوفيا بعيدا عن أي فهم مقاصدي من خلال دراسة علمية أكاديمية أن الإسلام ليس عبادات فحسب، وإنما هو نظام شامل للحياة البشرية، فكما اهتم الإسلام بتربية الفرد روحيا وماديا فقد اهتم بنظام الدولة وعلاقتها بالأفراد والجماعات والأمم.

هذا البحث الذي هو جزء من رسالة ماجستير حصل على درجتها الباحث مرزوق أولاد عبد الله من جامعة الأزهر بكلية الشريعة والقانون شعبة السياسة الشرعية وكانت تحت إشراف الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق والدكتور إسماعيل إبراهيم البدوي وشارك في لجنة المناقشة الدكتور عبد العزيز عزام رئيس قسم الفقه العام والدكتور محمد أنس قاسم جعفر أستاذ القانون الإداري بجامعة القاهرة، وقد حصل الباحث على تقدير امتياز في السياسة الشرعية وهو مغربي المولد، هولندي النشأة، أزهري الثقافة وهو حاليا نائب رئيس جامعة أوربا الإسلامية في أمستردام.

 

ويوضح الباحث كيف اهتم الإسلام بموظفي الدولة الذين هم الدعامة الكبرى التي يقوم عليها بناء الدولة على أساس أنهم الأمناء على المصلحة العامة، وإليهم يعود الفضل بعد الله في صلاح الإدارة الحكومية إذا أدوا واجبهم على الوجه الحسن، ويشير الباحث إلى أن نظام الإدارة في الإسلام وآدابه في التعامل يمثل جانبا مهما من نظام الحكم الإسلامي وجانبا من الصياغة الحضارية الإسلامية للمجتمعات البشرية، حيث يري الباحث أن الإسلام يشتمل على مبادئ وسلوكيات لا تقل عن الترقي والتمدن عن أحدث النظم الوضعية للدولة العصرية، فضلا عن امتداده للمشروعية من رقابة داخلية إيمانية، وشعوره بالرقابة الإلهية التي تعلو فوق القوانين الإدارية الحاكمة.

 

فالنظام الإداري الإسلامي للدولة وأدبياته – كما يشير الباحث- نموذج مثالي حضاري لأرقي النظم المنشودة. وقد انتقل الإسلام بعد توضيح منهجه العظيم في العبادات إلى مرحلة المعاملات والنظم المختلفة، فكانت للنظم السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من النظم خصوصية مميزة لهذا الدين وأتباعه عن غيره من الأمم تعكس شمولية هذا الدين وتجعل أتباعه عند تطبيقهم له ربايتين إنسانيتين في سياق واحد.

 

ويقدم الباحث مقارنة بين الجوانب المختلفة لموضوع “عزل الموظف العام” من حيث مفهومه وحقوقه وواجباته والسلطة التي تملك عزله، وأسباب عزله والآثار المتربتة على عزله، وضماناته السابقة على عزله أو المعاصرة أو اللاحقة، ويهدف بذلك إلى القيام بمقارنة بين القواعد الشرعية والقوانين الوضعية وإبرازها تتميز به الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع والنظم الوضعية وذلك من خلال الدراسة العلمية التي تبين أن نظم وقواعد الإسلام شمولية مرنة صالحة للتطبيق في كل عصر وقد بلغت السمو والكمال بما قررته من أحكام، وذلك في الوقت الذي عجزت فيه النظم الوضعية رغم ما أتيح لها من فرصة التطبيق أزمانا طويلة عن الوصول إلى المستوي الذي قررته الشريعة سواء أكان في القواعد العامة أم في الأحكام التفصيلية.

عزل الموظف العام. . الحقوق والواجبات

 

يناقش الباب الأول حقوق الموظف العام وواجباته في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي وتضع تعريفا علميا وثيقا للموظف العام في الشريعة الإسلامية مقارنة بينها وبين القانون الوضعي حيث يرى الباحث أن تعريف الموظف العام في القانون الوضعي يتفق إلى حد كبير مع مفهوم العامل (الموظف العام) في الشريعة الإسلامية حيث إن العامل في المفهوم الإسلامي هو من يعين من صاحب السلطة المختصة بالتعيين، ويسند إليه عمل ما في الدولة الإسلامية ويعمل في ظل التعاليم الإسلامية، مستهدفا المصلحة العامة، أما الموظف العام في القانون الوضعي فيخضع للقانون البشري.

 

ويرى الباحث أن الموظف العام في الدولة الإسلامية أساس العمل الإداري، فهو الذي ينفذ النظام ويصدر القرارات ويتحدث باسم الإدارة. ويعرف الباحث الموظف العام من منطلق إسلامي بأنه الشخص الذي يولي من قبل من يملك قرار التعيين للقيام بعمل ديني أو دنيوي، مقابل عوض مستهدفا المصلحة العامة للأمة.

 

ويركز الفصل الثاني من الباب الأول على حقوق الموظف العام في النظام الإسلامي والنظم الإدارية المعاصرة ومنها حق الأجر. حيث يؤكد أن كل حق يقابله واجب في الشريعة الإسلامية، وعلي هذا الأساس فأن الزجر والجزاء مقابل العمل مبدأ عام وهو من المبادئ الراسخة في الإسلام الثابتة بنص آيات القرآن وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم فمن القرآن الكريم قوله تعالي: “إن خير من استزجرت القوي الأمين” أما الأحاديث النبوية فمنها قول النبي صلي الله عليه وسلم: “من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول”.

 

إن الموظف “العامل” الذي يقوم بالعمل يستحق أجره سواء كان ما يقوم به من العمل دينيا أو دنيويا، وحتى لو كان في غير حاجة إليه والذي يؤكد هذا المعني ما روي عن ابن المساعدي المالكي أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة، فقلت إنما عملت لله وأجري على الله فقال: خذ ما أعطيت، فإنني عملت على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فعلمني، فقلت مثل قولك، فقال لي الرسول صلي الله عليه وسلم: “إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق”.

أجر العامل

 

أما تعريف الأجر في اصطلاح الفقه الإسلامي بأنه عبارة عن العوض أو الثواب والجزاء على العمل الذي يدفعه المؤجر للمستأجر في مقابل المنفعة ويعرف بعض الباحثين المعاصرين للأجر في الإسلام بأن حق يحصل عليه الموظف العام نظير ما يقوم به من أعمال لمصلحة صاحب العمل. أما في الفقه الوضعي فإن الأجر هو المقابل الذي يتقاضاه الموظف شهريا من خزانة عامة بطريقة منتظمة في مقابل انقطاعه لخدمة الإدارة.

 

ويستخلص الباحث أن أجر العامل في الشريعة الإسلامية يأخذ مسميات متعددة لكنها كلها مترادفات تصب في معنى واحد وهو المقابل نظير العمل فتارة يسمي بالرزق، وتارة اسم المرتب أو العطاء وفي المقابل فإن الأجر في القانون الوضعي له مسميات محددة تظهر جليا في أن المرتب أو الأجر لفظان مترادفان لمعنى واحد وهو المقابل الذي يتقاضاه الموظف نظير عمله، إلا أن قوانين التوظيف درجت في بداية الأمر على استخدام لفظ المرتب، ثم ما لبثت أن عدلت عنه إلى لفظ “الأجر”. ويخلص مما سبق أن الشريعة الإسلامية قد استعملت مسميات عديدة للأجر تفوق ما استعملته القانون الوضعي وبذلك تكون الشريعة أشمل وأعمق.

ترقية العامل

 

يؤكد الباحث في دارسته أن النظام الإسلامي قد عرف ترقية الموظفين منذ إنشاء دولته الأولي وتم تطبيق ذلك عمليا على الرغم من عدم وجود قواعد معينة تتبع بالنسبة للترقية كما هو الشأن بالنسبة لترقية الموظفين في النظم الحديثة، إلا أن ممارسة الترقية قد تمت بالفعل ووجد ما يدل على ذلك في الدولة الإسلامية، فقد حدث في أيام الخليفة أبي بكر الصديق عندما عزم على فتح بلاد الشام وجعل يزيد بن أبي سفيان على رأس الجيش الفاتح وأوصاه قائلا: “إني وليتك لا بلوك واختبرك وأحرجك. فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أساءت عزلتك فعليك بتقوى الله”. ويقوم معيار الترقية في النظام الإسلامي على أساس الصلاحية والكفاءة والجدارة بصرف النظر عن أقدمية الموظف.

 

وينتهي هذا المبحث إلى أن نظام الترقية في الشريعة الإسلامية عرف منذ ظهور الإسلام ونزول الوحي على رسول الله صلي الله عليه وسلم وطبق ذلك تطبيقا عمليا في عصر الخلفاء الراشدين، بينما لم يعرف نظام الترقية في القوانين الوضعية إلا في عصور متأخرة. وبناء على ذلك يوجد بينهما أوجه اتفاق وأوجه اختلاف، أما أوجه الاتفاق فهي يتفقان في تعريفهما للترقية كما يتفقان أيضا في أن الترقية يصاحبها زيادة في الأجر وعلو في القدر والمركز الاجتماعي، أما أوجه الاختلاف فيظهر في أساس الترقية حيث إن نظام الترقية في الشريعة الإسلامية يقوم على أساس الأقدمية أو الاختيار، وبهذا تتميز الشريعة الإسلامية على القانون الوضعي في هذا الأساس أي أساس الصلاحية كوسيلة للترقية وهي الأصلح والأقرب إلى الحق لأنها تعتمد على الكفاءة والقدرات في تسيير شئون الأمة وسد الباب في وجه العاجزين وتقضي على صور المجاملة التي انتشرت في العصر الحديث.

سلطة العزل

 

يتناول الباب الثاني مسألة السلطة التي تملك العزل في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ويضع الباحث تعريفا علميا دقيقا لمعني العزل في اصطلاح الفقه الإسلامي وهو “فتح الولاية ورد المتولي كما كان قبلها كفسخ العقود في البيع وغيره”.

 

أما السلطة التي تملك عزل الموظف العام في الشريعة الإسلامية فقد كان التنظيم الإداري الإسلامي مقبعا التدرج الرئاسي فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يستعين بمن يحتاجهم ويختارهم من المسلمين الأوائل وتتوافر فيهم القدرات الملائمة لمعاونته في بعض الوظائف لمباشرة أمور المسلمين، ولم تقف مهمة الرسول صلي الله عليه وسلم في اختيار الموظفين وتعيينهم، بل كانت وظيفته تمتد إلى محاسبتهم ومراقبتهم حيث كان يشتد في محاسبتهم على ما اقترضوا من أخطاء ومخالفات ولا يتحرج في ذلك من أجل صداقة أو قرابة أو محسوبية “أي شخص مهما كان حيث كان يحاسبهم على المستخرج والمصروف”.

 

أما بعده صلى الله عليه وسلم فكانت سلطة العزل في الدولة الإسلامية تتمثل في ولي الأمر – الخليفة ومن يفوضهم في ذلك كوزير التفويض، وقاضي القضاة، والقضاة كل بحسب اختصاصه وليس القانون الوضعي عن ذلك يعين فهو يتفق إلى حد كبير مع الشريعة الإسلامية فيمن يملك سلطة العزل وإن كان هناك اختلاف في التفاصيل بينهما.

 

ويتدرج الباحث في توضيح سياسة عزل الموظف العام واختيارهم منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم حيث يقول: “كان الرسول صلي الله عليه وسلم يتبع سياسة حكيمة مع عماله سواء فيما يتعلق بالتعيين أو العزل فكان بادئ ذي بدء، يتخير عماله من صالحي أهله وأولي الدين ويختارهم على الأغلب من المنظور إليهم في العرب ليوقر وافي الصدور، ويكون لهم سلطان على المؤمنين وغيرهم يحسنون العمل فيما يقولون، فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم لم لا يكتفي بحسن اختياره للعمال والولاة وارشادهم ولا يقوم بواجب الرقابة والإشراف، بل كان داءم المتابعة والمحاسبة ويتعرف على أخبارهم، وكان يعزل الموظف إذا انحرف كما كان يعزله إذا اشتكت منه الرعية.

 

وقد التزم الخلفاء الراشدين نهج النبي في الإدارة الإسلامية وكان أبو بكر الصديق يحرص كل الحرص على كشف أحوال الموظفين ومراقبتهم ومحاسبتهم وكان يختار من يتوسم فيهم كثرة العلم والعمل وكان أبو بكر الصديق لا يعين إلا من تتوافر فيهم شروط الوظيفة كالكفاءة والجدارة ولا يتخذ إجراء العزل ضدهم إلا في أحوال الإهمال والتقصير وعدم أداء واجبات الوظيفة على الوجه الأتم والأكمل.

أسباب العزل

 

يوضح الباحث في دراسته أيضا أسباب العزل حيث يؤكد أن الموظفين في الدولة الإسلامية لا يعزلون تلقائيا ما داموا مستوفين الشروط الوظيفية إلا أن هناك عزلا لأسباب سياسية ومنها ما حدث في عهد الفاروق عمر بن الخطاب عند عزل بن الوليد عن ولاية إمارة الجيش فقد روي الإمام الطبري في تاريخ “بعث أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين، ، فلما نزل بالحاضر زحف إليهم الروم فماتوا حتى لم يبق منهم أحد وأما أهل الحاضر فأرسلوا إلى خالد أنهم عرب وأنهم إنما حشروا ولم يكن عند رأيهم حرب، فقبل منهم وتركهم” ولما بلغ عمر ذلك قال: أمر خالد نفسه يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال مني وكان عزله والمثني، وقال: إني لم أعزلهما عن ريبة، ولكن الناس عظموهما، فخشيت أن يوكلوا إليها، وقد قال خالد حين بلوغه العزل “إن عمر ولاني الشام حيث إذا صارت بثينة وعلا عزلني”. وهناك أيضا العزل لأسباب إدارية في الشريعة الإسلامية فقد يقدم الموظف العام على اختراق أفعال إدارية فادحة تسيء إلى إدارته ووظيفته كارتكاب خطأ إداري أو مخالفة الأوامر أو الإخلال بواجباته الوظيفية أو التنازع في الاختصاص بين الموظفين وبعضهم البعض في الوظيفة العامة فيعزل من قبل من ولاه وعينه. ويضرب الباحث نماذج تطبيقية على هذا. كما يوضح الباحث أيضا العزل لأسباب مخالفات شرعية والتي يقصد بها أن الموظف العام في الدولة الإسلامية في حالة اقترافه أمرا منهيا عنه أو اتهامه به وقامت عليه البنية يجب على ولي الأمر عزله من وظيفته جزاء ما ارتكب من مخالفات شرعية ويجمل الباحث الأسباب التي يترتب على ارتكابها أو انتهاكها عزل “الموظف العام” وهي الردة، النفاق، الخيانة، الفسق، الرشوة، الشبهة وسوء السمعة. ثم يفصل الباحث بنماذج عملية على هذه الأسباب.

الضمانات القانونية للعامل

 

في الباب الثالث يوضح الباحث الضمانات القانونية ضد عزل الموظف العام في الشريعة الإسلامية، حيث يؤكد أن الشريعة الإسلامية أحاطت الإنسان بضمانات إلهية لا حصر لها تحرم ظلم الإنسان لنفسه وظلم غيره.

 

ويقول: لاشك أن الذي يفوض في دراسة أصول الإدارة الإسلامية وخاصة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وعهد الصحابة يتبنى له بجلاء أن الشريعة الإسلامية عرفت هذه الضمانات سواء الضمانات السابقة على توقيع عقوبة العزل أو الضمانات المعاصرة أو اللاحقة على توقيع عقوبة العزل، وتتمثل الضمانات السابقة على عزل الموظف العام في التحقيق معه ومواجهته بالتهم الموجهة إليه وتحقيق دفاعه أو تمكينه من درء الاتهام عن نفسه أو إقامة الدليل على براءته كما يجب أيضا أن تتوفر في المحقق صفات محددة بينها الفقه الإسلامي فيمن يملك سلطة التحقيق مع الموظف العام.

 

حيث تشترط الشريعة الإسلامية أن يكون المحقق عادلا في تحقيقاته وذلك انطلاقا من قوله تعالي: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” فيدخل في هذه الآية جميع الناس في أي موقع من مواقع الحكم والعمل في الدولة سواء السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية.

 

ويؤكد الباحث أن كلا من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي عرفا مبدأ التحقيق مع الموظفين، إلا أن الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية إلى معرفة ذلك منذ أمد طويل إلا أن وجه الخلاف بينهما يبرز فيمن يختص بالتحقيق مع الموظف العام المتهم، ففي الشريعة يمارسه ولي الأمر أو من يفوضه في هذا الخصوص.

 

أما في القانون الوضعي فتختص به الجهة الإدارية الممثلة في الرئيس الإدارية أو النيابة الإدارية وينتج عن هذا أنهما متفقان في المبدأ ومختلفان في الوسيلة.

 

وفي الفصل الثاني من الباث الثالث يوضح الباحث الضمانات القضائية المعاصرة لعزل الموظف العام في الشريعة الإسلامية وأولها مضمون مبدأ المواجهة بين الخصوم في الشريعة الإسلامية حيث إن هذا المبدأ يعد من أهم المبادئ المستقرة في النظام القضائي الإسلامي، ويقتضي هذا علم كل خصم بأدلة خصمه وإحاطته بها إحاطة شاملة وأخبار كل خصم بما يجريه الآخر ولا يجوز أن يقضي على شخص دون إحاطته علما بأدلة خصمه وتمكينه من الاطلاع على الوثائق والمستندات التي يقدمها خصمه وتناولها بالفحص والتمحيص حتى يتمكن من الرد على خصمه وتقديم أوجه دفاعه حماية لمصلحته ودفاعا عن نفسه ويكاد يكون مضمون المواجهة في القانون الوضعي متطابقا مع مضمونه في الشريعة الإسلامية، حيث يقصد به إخطار الموظف العام بالتهمة الموجهة إليه حيث عرف النظام الإسلامي مبدأ المواجهة بين الخصوم، فقد عولج هذا من خلال القرآن والسنة وعمل الصحابة والتابعين وفي الفقه الإسلامي ومن ذلك في القرآن الكريم: “وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب، إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف نعمان بغي بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سوار الصراط” ووجه الدلالة من هذه الآية أن داوود عليه السلام فوجئ ذات مرة برجلين يتسوران محرابه ويدخلان عليه دون استئذان منه، فخشي وفزع منهما فطمأناه أنهما ما جاء إلا من أجل التقاضي أمامه، وطلبا منه الحكم بينهما بالحق والعدل وبدأ أحدهما بعرض قضيته وشرخ خصومته، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن عتاب الله لسيدنا داوود في هذه الآيات كان بسبب قضائه لأحد الخصمين دون الاستماع والإنصات إلى الخصم والطرف الآخر، كذلك فقد أرست السنة النبوية الشريفة مبدأ المواجهة بين الخصوم وذلك من خلال ما دار بين النبي صلي الله عليه وسلم وقاضيه على اليمن على ابن أبي طالب حيث أوصاه الرسول بقوله: “إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فأنه أحرى أن يتبين لك القضاء”.

 

أما عن الضمانات اللاحقة على عزل الموظف العام في الشريعة الإسلامية فكما أوردها الباحث فهي تتمثل في قضاء المظالم أو ديوان المظالم حيث كان هذا مجلسا أعلي يشرف على تطبيق مبدأ المشروعية، إذ يجمع بين قوة الإدارة وعدالة القاضي وحكمة الفقيه يتعاونون جميعا على رفع الظلم أيا كان مصدره، سواء نتج من أجور عمال الإدارة العامة وقضاتها أو من تحدي ذوي الجاه والسلطات للقانون أو لأحكام القضاة وهو يشرف على تطبيق مبدأ المشروعية في الميدان الإداري العام، وفي ميدان المعاملات الخاصة وهو مجلس له تشكيل معين هو الذي يسوغ تحويله صلاحيات خاصة تخرج عن وظيفة القاضي العادي سواء في الإجراءات ووسائل الإثبات أو التنفيذ وصولا للهدف الإسلامي وهو رفع الظلم وإحقاق الحق دون تفرقة بين الحاكم والمحكوم مسلم وأما وعليه فإن قاضي المظالم أو ولاية المظالم يفوض إليه النظر في فصل القضايا التي تحصل بين الدولة والأمة، وبين الموظفين والرعية، أو بين الموظفين وأحد الأمراء وتنفيذ أحكام القضاة الذين تعذر عليهم تنفيذها لعلو قدر المحكوم عليه، حيث تتيح هذه الضمانة للموظف العام التظلم من القرار الصادر ضده بالعزل لدي الجهة الإدارية المسئولة في حالة إحساسه بأن القرار يشوبه نوع من التعسف في استعماله ضده ومعرفة الشريعة لهذه الضمانة لم يكن على الصورة المعروفة في التشريعات الحديثة المعاصرة لأنه كان يتسم بالسهولة والبساطة في الإجراءات سواء من جانب الجهة الإدارية أو صاحب الشأن.

المصدر: اسلام اون لاين بتصرف قصير.
* الإسلام يقود الحياة
—————-