في مقدمة كتاب فلسفتنا للمفكر و الفيلسوف الاسلامي محمد باقر الصدر يتعرض المفكر لمشكلة المسألة الأجتماعية  بتسليط الضوء على المذاهب الأجتماعية المنتشرة في العالم و نقدها بأسلوب علمي رائع قبل أن يشرع في نقد الماركسية حيث محور الكتاب هو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية الديالكتيكية (الماركسية).

مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانية اليوم, وتمس واقعها بالصميم هي مشكلة النظام الاجتماعي التي تتلخص في محاولة إعطاء أصدق إجابة عن السؤال الآتي:
 ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية؟
ومن الطبيعي أن تحتل هذه المشكلة مقامها الخطير, وان تكون في تعقيدها وتنوع ألوان الاجتهاد في حلها مصدراً للخطر على الإنسانية ذاتها, لأن النظام داخل في حساب الحياة الإنسانية ومؤثر في كيانها الاجتماعي في الصميم.
وهذه المشكلة عميقة الجذور في الأغوار البعيدة من تاريخ البشرية, وقد واجهها الإنسان منذ نشأت في واقعه الحياة الاجتماعية, وانبثقت الإنسانية الجماعية تتمثل في عدة أفراد تجمعهم علاقات وروابط مشتركة. فإن هذه العلاقات التي تكونت تحقيقا لمتطلبات الفطرة والطبيعة في حاجة بطبيعة الحال إلى توجيه وتنظيم, وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه يتوقف استقرار المجتمع وسعادته.
وقد دفعت هذه المشكلة بالإنسانية في ميادينها الفكرية والسياسية الى خوض جهاد طويل, وكفاح حافل بمختلف ألوان الصراع, وبشتى مذاهب العقل البشري التي ترمي إلى إقامة البناء الاجتماعي وهندسته, ورسم خططه
ووضع ركائزه, وكان جهاداً مرهقاً يضج بالمآسي والمظالم, ويزخر بالضحكات والدموع، وتقترن فيه السعادة مع الشقاء, كل ذلك لما كان يتمثل في تلك الألوان الاجتماعية من مظاهر الشذوذ والانحراف عن الوضع الاجتماعي الصحيح. ولولا ومضات شعت في لحظات من تاريخ هذا الكوكب, لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساة مستمرة, وسبح دائم في الأمواج الزاخرة.
ولا نريد أن نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي لأننا لا نقصد بهذه الدراسة أن نؤرخ للإنسانية المعذبة. وأجوائها التي تقلبت فيها منذ الآماد البعيدة. وإنما نريد أن نواكب الإنسانية في واقعها الحاضر, وفي أشواطها التي انتهت إليها, لنعرف الغاية التي يجب أن ينتهي إليها الشوط, والساحل الطبيعي الذي لا بد للسفينة أن تشق طريقها إليه, وترسو عنده لتصل إلى السلام والخير، وتؤوب إلى الحياة مستقرة, يعمرها العدل والسعادة, بعد جهد وعناء طويلين وبعد تطواف عريض في شتى النواحي ومختلف الاتجاهات.
المذاهب الاجتماعية
إن أهم المذاهب الاجتماعية التي تسود الذهنية الإنسانية العامة اليوم,
ويقوم بينها الصراع الفكري أو السياسي على اختلاف مدى وجودها
الاجتماعي في حياة الإنسان هي مذاهب أربعة:
1ـ النظام الديمقراطي الرأسمالي.
2ـ النظام الاشتراكي.
3ـ النظام الشيوعي.
4ـ النظام الإسلامي.
ويتقاسم العالم اليوم إثنان من هذه الأنظمة الأربعة. فالنظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض, والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة أخرى. وكل من النظامين يملك كياناً سياسياً عظيماً,
يحميه في صراعه مع الآخر، ويسلحه في معركته الجبارة التي يخوضها أبطاله في سبيل الحصول على قيادة العالم, وتوحيد النظام الاجتماعي فيه.
وأما النظام الشيوعي والإسلامي فوجودهما بالفعل فكري خالص, غير أن النظام الإسلامي مر بتجربة من أروع النظم الاجتماعية وانجحها, ثم عصفت به العواصف بعد إن خلا الميدان من القادة المبدئيين أو كاد, وبقيت التجربة في رحمة أناس لم ينضج الإسلام في نفوسهم, ولم يملا أرواحهم بروحه وجوهرة فعجزت عن الصمود والبقاء, فتقوض الكيان الإسلامي, وبقي نظام الإسلام فكرة في ذهن الأمة الإسلامية، وعقيدة في قلوب المسلمين, وأملاً يسعى إلى تحقيقه أبناؤه المجاهدون. وأما النظام الشيوعي فهو فكرة غير مجربة حتى الآن تجربة كاملة, وإنما تتجه قيادة المعسكر الاشتراكي اليوم إلى تهيئة جو اجتماعي له بعد أن عجزت عن تطبيقه حين ملكت زمام الحكم فأعلنت النظام الاشتراكي وطبقته كخطوة إلى الشيوعية الحقيقة.
فما هو موضعنا من هذه الأنظمة؟
وما هي قضيتنا التي يجب أن ننذر حياتنا لها, ونقود السفينة إلى شاطئها؟

… >> اظغط هنا لإنزال الكتاب << …